شعار الموقع

الشراكة العُمانية الصينية: جسور اقتصادية وآفاق استثمارية واعدة

2025-03-06

تشكل العلاقات الاقتصادية بين عُمان والصين نموذجاً للتعاون الاستراتيجي المبني على المصالح المشتركة والمكاسب المتبادلة.

فمن خلال موقعها الجغرافي الاستثنائي المطل على المحيط الهندي وبالقرب من خطوط التجارة العالمية، تتبوأ سلطنة عُمان مكانة فريدة تجعلها حلقة وصل بين أسواق آسيا وأفريقيا وأوروبا.

كما تمثل الصين قوة اقتصادية عالمية وتسعى لتعزيز شراكاتها التجارية والاقتصادية ضمن مبادرة "الحزام والطريق"، مما يفتح المجال أمام تعاون وثيق يحقق فوائد ملموسة لكلا البلدين.

استثمارات جديدة

وفي أحدث خطوات تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين البلدين، أعلنت شركة "جيتور" الصينية (26 فبراير 2025) الرائدة في صناعة السيارات الكهربائية عن خططها لتوطين قطاع صناعة السيارات في السلطنة.

ووفقاً للدراسات الأولية، تُقدّر قيمة استثمارات "جيتور" في عُمان بنحو 6.9 مليارات ريال عُماني (18 مليار دولار أمريكي)، مع توقعات بتوفير 10 آلاف فرصة عمل، مما يعزز مكانة السلطنة كمركز صناعي واستثماري واعد في المنطقة.

ويرتكز المشروع، المزمع تنفيذه خلال عامين من الإعلان الرسمي، على إدخال تقنيات متقدمة لشحن واستبدال البطاريات، وهي تقنيات تُستخدم حالياً في الصين، وهو ما يسهم في نقل المعرفة والتكنولوجيا إلى السوق العُمانية.

كما تأتي هذه الخطوة متماشية مع الاستراتيجية الصناعية العُمانية 2040، التي تولي اهتماماً خاصاً بالقطاعات ذات الأولوية، مثل الصناعات كثيفة رأس المال، والصناعات القائمة على المعرفة، ومن بينها أشباه الموصلات، والمركبات، والبطاريات.

وتسعى السلطنة من خلال هذه الاستثمارات أيضاً، إلى تعزيز التنويع الاقتصادي ودعم القطاع الخاص لزيادة القيمة المحلية المضافة، وتنمية الصناعات الوطنية، بالإضافة إلى توسيع وتنويع المنشآت الصناعية في مختلف محافظات البلاد.

تنامي التعاون الاقتصادي

ويشكل التعاون التجاري والاستثماري محوراً رئيسياً في العلاقات بين البلدين، حيث تعد الصين من أكبر المستوردين للنفط العُماني، في حين تُعدّ السلطنة بوابة مهمة للشركات الصينية للوصول إلى الأسواق الخليجية والإقليمية.

وبحسب السفير العُماني لدى الصين ناصر بن محمد البوسعيدي، فإن حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال النصف الأول من عام 2024 بلغ 19.7 مليار ريال عُماني (51.2 مليار دولار)، مع تسجيل نسبة ارتفاع بلغت 6.7% للصادرات و10.8% للواردات.

ولفت، في حوار مع صحيفة عُمان، نشر في 29 أكتوبر الماضي، إلى أن السلطنة تعمل على استقطاب الاستثمارات الصينية في قطاعات مثل التعدين، والغاز، والطاقة المتجددة، والصناعات التحويلية، وتشمل المشروعات المشتركة تطوير المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، والمدينة الصناعية الصينية العُمانية، التي اجتذبت استثمارات صينية ضخمة في مجالات النقل، والخدمات اللوجستية، ومشروعات البنية الأساسية.

كما تنبع المكاسب الاستراتيجية بين البلدين من تكامل الأدوار الاقتصادية، حيث تستفيد مسقط من الاستثمارات الصينية في تطوير بنيتها التحتية، خاصة في قطاعات الموانئ والنقل البحري، وفق صحيفة "الرؤية" العُمانية.

وأشارت الصحيفة، بتقرير نشرته في 24 ديسمبر الماضي، إلى أن امتلاك السلطنة لموانئ عالمية مثل صلالة والدقم وصحار، والتي تتميز بإمكانات لوجستية متقدمة، يجعلها مركزاً إقليمياً لنقل البضائع الصينية العابرة إلى الأسواق الأفريقية والأوروبية.

في المقابل، تستفيد الصين من موقع عُمان الاستراتيجي لتعزيز سلسلة التوريد الخاصة بها، بما يتماشى مع خططها لتوسيع نطاق مبادرة "الحزام والطريق".

كما يُعزز التعاون في مجال الطاقة من العلاقات بين البلدين، حيث تعد الصين أكبر مستورد للطاقة، في حين تصدر عُمان نسبة كبيرة من إنتاجها النفطي إلى الأسواق الآسيوية، ما يعكس تكاملاً اقتصادياً طبيعياً.

علاوة على ذلك، تمتد المكاسب لتشمل التعاون في التكنولوجيا المتقدمة، حيث تسعى السلطنة للاستفادة من الخبرة الصينية في الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة، وهو ما يسهم في تحقيق أهداف رؤية عُمان 2040 المتعلقة بالاستدامة والابتكار.

كما أن تعزيز الروابط التجارية في القطاعات غير النفطية، مثل الصناعات التحويلية والزراعة والثروة السمكية، يفتح آفاقاً جديدة لزيادة التبادل التجاري بين البلدين.

وفي ضوء هذه الشراكة الاستراتيجية، تتعزز مكانة عُمان كحلقة وصل رئيسية ضمن مبادرة "الحزام والطريق"، بينما تواصل الصين توسيع نفوذها الاقتصادي عبر بوابة السلطنة، ما يجعل التعاون بينهما نموذجاً يُحتذى به في بناء شراكات مستدامة.

آفاق واسعة

يؤكد الباحث الدكتور حبيب الهادي، أن العلاقات العُمانية الصينية علاقات تاريخية متجذرة تمتد لآلاف السنين، ولا يزال صداها حاضراً اليوم، وذلك بحكم الموقع الجغرافي للبلدين، والطرق التجارية والتواصل الحضاري السابق.

ويوضح لـ"الخليج أونلاين" أن "الاستثمارات الصينية في عُمان متقدمة بشكل كبير، وتزداد وتيرتها منذ سنوات، وآخرها إنشاء الصين مصنع سيارات جيتور في السلطنة، كما أن هناك أبعاداً استثمارية كبيرة في عدد من القطاعات".

ويضيف الهادي أن هناك الكثير من الجوانب الاستثمارية بين البلدين في مختلف المجالات، لا سيما في مجال الطاقة والتقنيات والتكنولوجيا، مشيراً إلى أن الصين تستورد نسباً كبيرة من نفط السلطنة.

وفي مجال التكنولوجيا يوضح أن سلطنة عُمان تتطلع إلى الاستفادة من التقدم الصيني في الذكاء الاصطناعي، والمدن الذكية، وتقنيات التصنيع المتقدم، ويشمل التعاون نقل المعرفة وتعزيز الابتكار، بما يدعم التحول الرقمي في عُمان، خاصة في المناطق الاقتصادية مثل الدقم.

أما على صعيد الاستثمار، فإن هناك تنسيقاً مباشراً بين جهاز الاستثمار العُماني والمستثمرين الصينيين، حيث تُسهم سلطنة عُمان بموقعها الاستراتيجي واستقرارها الأمني وبنيتها الأساسية المتطورة في جذب اهتمام الشركات الصينية وفق الهادي.

ويضيف أيضاً: "تشمل المشروعات المستقبلية التعاون في قطاعات الزراعة الذكية، والتصنيع، والسياحة، بما يعزز من الشراكة الاقتصادية بين البلدين"، مشيراً إلى أن "العلاقات العُمانية الصينية تستمر في التطور، مرتكزة على المصالح الاقتصادية المشتركة، وفتح مجالات جديدة للاستثمار والتعاون، بما يدعم خطط سلطنة عُمان التنموية ورؤيتها الاقتصادية لعام 2040".


أخبار ذات صلة